{فَلَمَّا آسَفُونَا} أغضبونا، {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}. {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} قرأ حمزة والكسائي {سلفا} بضم السين واللام، قال الفراء: هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف، أي تقدم، وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف، مثل: حارس وحرس وخادم وخدم، وراصد ورصد، وهما جميعًا الماضون المتقدمون من الأمم، يقال: سلف يسلف، إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء، فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. {وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} عبرة وعظة لمن بقي بعدهم. وقيل: سلفًا لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلا لمن يجيء بعدهم.{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا} قال ابن عباس وأكثر المفسرين: إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام، لما نزل قوله عز وجل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء- 98]، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام. {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قرأ أهل المدينة والشام والكسائي: {يصدون} بضم الصاد، أي يعرضون، نظيره قوله تعالى: {يصدون عنك صدودًا} [النساء- 61] وقرأ الآخرون بكسر الصاد.واختلفوا في معناه، قال الكسائي: هما لغتان مثل يعرُشون ويعرِشون، وشد عليه يَشُدُّ ويَشِد، ونمَّ بالحديث يَنُمُّ وَينِمُّ.وقال ابن عباس: معناه يضجون. وقال سعيد بن المسيب: يصيحون. وقال الضحاك: يعجون. وقال قتادة: يجزعون. وقال القرظي: يضجرون. ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهًا كما عبدت النصارى عيسى.{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} قال قتادة: {أم هو} يعنون محمدًا، فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا.وقال السدي وابن زيد: {أم هو} يعني عيسى، قالوا: يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار، وقال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ} يعني هذا المثل، {لَكَ إِلا جَدَلا} خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله: {وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء- 98]، هؤلاء الأصنام. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الحمشاوي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل»، ثم قرأ: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}.