سورة الزخرف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{فَلَمَّا آسَفُونَا} أغضبونا، {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}. {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} قرأ حمزة والكسائي {سلفا} بضم السين واللام، قال الفراء: هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف، أي تقدم، وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف، مثل: حارس وحرس وخادم وخدم، وراصد ورصد، وهما جميعًا الماضون المتقدمون من الأمم، يقال: سلف يسلف، إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء، فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. {وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} عبرة وعظة لمن بقي بعدهم. وقيل: سلفًا لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلا لمن يجيء بعدهم.
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا} قال ابن عباس وأكثر المفسرين: إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام، لما نزل قوله عز وجل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء- 98]، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام. {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قرأ أهل المدينة والشام والكسائي: {يصدون} بضم الصاد، أي يعرضون، نظيره قوله تعالى: {يصدون عنك صدودًا} [النساء- 61] وقرأ الآخرون بكسر الصاد.
واختلفوا في معناه، قال الكسائي: هما لغتان مثل يعرُشون ويعرِشون، وشد عليه يَشُدُّ ويَشِد، ونمَّ بالحديث يَنُمُّ وَينِمُّ.
وقال ابن عباس: معناه يضجون. وقال سعيد بن المسيب: يصيحون. وقال الضحاك: يعجون. وقال قتادة: يجزعون. وقال القرظي: يضجرون. ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهًا كما عبدت النصارى عيسى.
{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} قال قتادة: {أم هو} يعنون محمدًا، فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا.
وقال السدي وابن زيد: {أم هو} يعني عيسى، قالوا: يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار، وقال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ} يعني هذا المثل، {لَكَ إِلا جَدَلا} خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله: {وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء- 98]، هؤلاء الأصنام. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الحمشاوي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل»، ثم قرأ: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}.


ثم ذكر عيسى فقال: {إِنْ هُوَ} ما هو، يعني عيسى عليه السلام، {إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالنبوة، {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا} آية وعبرة، {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} يعرفون به قدرة الله عز وجل على ما يشاء حيث خلقه من غير أب.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً} أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة، {فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ} يكونون خلفًا منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني. وقيل: يخلف بعضهم بعضًا.
{وَإِنَّهُ} يعني عيسى عليه السلام، {لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة: {وإنه لعلم للساعة} بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلا يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام».
ويروى: «أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة، وعليه ممصرتان، وشعر رأسه دهين، وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر، فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب، ويخرب البيع والكنائس، ويقتل النصارى إلا من آمن به».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»؟ وقال الحسن وجماعة: {وإنه} يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها، ويخبركم بأحوالها وأهوالها، {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكن فيها، قال ابن عباس: لا تكذبوا بها، {وَاتَّبِعُونِ} على التوحيد، {هَذَا} الذي أنا عليه، {صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.


{وَلا يَصُدَّنَّكُمُ} لا يصرفنكم، {الشَّيْطَانُ} عن دين الله، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} بالنبوة، {وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من أحكام التوراة، قال قتادة: يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى. قال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه، وَبَيَّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ} يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها، {أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فجأة، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7